لا تحرموها من أسمها


لا أعلم إذا كان هذا المسمى (نصف المجتمع) ينصفها أم يحملها عبئاً إضافياً على أعبائها!! ويجعل من واجباتها أكثر مرارة مما كانت عليه !!

إنها سلسلة من الألغام تفرضها التقاليد في التعاطي مع المرأة، حيث تسود فكرة العيب في علاقات المرأة مع محيطها، بحيث يتغير الحديث كله إذا كانت تسمعه امرأة كما تتغير طبيعة العمل والسفر إذا شاركت فيه امرأة، ولكن الأعجب من ذلك كله هو الحرج الذي يصيبنا عندما نذكر اسم المرأة حتى إن كثيراً من البيئات المحافظة تخلت عن ذكر اسم المرأة زيادة في رعاية هذا الجانب من العيب، وتقديراً لمكانة العائلة وبيناً لزيادة ورعها وتسترها وعفافها!!

هذا الإسم الذي يعبر عن ذاتها ووجودها ومن خلال هذا الاسم تبدأ برسم الحياة، منعت من استخدامه خوفاً عليها بأن يعرف الناس اسمها الذي هو عورة يجب أن لا يبين على أحد خوفاً من الفضيحة. وهذه أول حكاية ألمها وهي لا تدري هذه الأسماء تنصفها أحياناً وتبخس حقها في كثير من الأحيان فمثلاً تجعلها تابعة حيناً وخادمة حيناً ومجهولة حيناً آخر.

(المرة ،الحرمة ،العقيلة ،يا بنت ،الحجة ،المدام ،أم فلان،زوجة فلان .......الخ)

هذه هي باختصار الأسماء المفضلة للمرأة!! ولا زال كثير منا يشعر بالخجل أن يكتب أسم العروس على بطاقة الدعوة لعقد القران أو حفل الزفاف بالنسبة لدعوة الرجال وتنسب على أنها (كريمة فلان) وتظهر على صدر بطاقات الأعراس كلمة كريمته نسبة لوالدها، بدلاً من اسمها الصريح الذي يعبر عن شخصيتها وتاريخها وحياتها.

ولا زالت النعوة إلى الآن ذكورية بامتياز، وفي حال الوفاة فمن العيب أن يكتب أسم البنات أو الأخوات أو الأمهات أو الزوجات في ورقة النعوة ، ولكن في حين تموت هذه الأنثى فإنه يكتب اسمها وبالبونت العريض فإنها والحمد الله سوف توارى الثرى، حيث لا مكان للعار إلا تحت التراب!!

حتى في الاستخدام الشخصي فإن اسم المرأة على الموبايل لا يظهر في كثير من الأحيان، حيث يعتمد الرجل إخفاءه زيادة في الستر والورع والاحتياط، ويبدو للبعض من المعيب أن يكتب الزوج أسم زوجته على الموبايل خشية من وقوع الجهاز بيد أحد فيعلم عند اتصال الزوجة بزوجها اسمها الذي تجلله التقاليد بالعار، وهكذا يتهرب كثير من الناس إلى الرموز البعيدة للإشارة إلى الزوجة على شاشة الموبايل كالرموز(أ...ح...أبو عبدو...أبو صطام....إلى ما لا نهاية) وفي حال كان الزوج منفتحا قليلا وكتب (حبيبتي) فإنه يلقى العتب ممن حوله من الناس ومن أقرب الناس إليه، ربما لا تدرك المرأة أو الفتاة مدى ضرورة وجود أسمها في حياتها ومدى تأثيره في نمط حياتها وأن حفاظها على اسمها يجعلها قوية. .

يبدأ تعاملنا مع الأنثى بالعقل الذكوري في مرحلة جد متقدمة، وكيفيه ربطها بالطرف الآخر يبدأ بإلغاء ملامح حياتها بإخفاء الإسم الذي يعبر عن شخص هذا الإنسان، ففي بعض مجتمعاتنا العربية تسمى الفتاة ببداية وعيها (أم فلان)أيا كان ليكون ربطا بالذكر الذي سوف يكون وليدها يوما وبعد ذلك المتحكم في حياتها أو هذا الاسم ينم عن ارتباطها بابن عمها الذي سوف يحمي عرضها وشرف العائلة الكريمة مستقبلا وهذا كله من أجل حماية المرأة من غدر من حولها من الناس.

إن غايتي من كتابة هذه الكلمات ليس التشهير ولا التجديف، ولكنني آسف لما آل إليه مجتمعنا من تراجع حضاري ديني أخلاقي ، وغايتي أن أوضح أن الدين الإسلامي بريء من ذلك كله، والمرأة في الإسلام هي الأم والأخت والبنت وهي الروح الدافئة التي تمنح الحياة جمالها وعذوبتها، وهي ذات مسؤولية تامة وذمة مالية تامة، وتاريخ النساء في صدر الإسلام كبير وشهير، والمرأة في صدر الإسلام ساهمت بشجاعة في بناء الحياة وحفظ الرواة اسمها ورسمها ووصفها وهديها وسمتها حتى صارت للناس قدوة ومنارة.



وفي مثال دقيق أورده الحافظ الذهبي حين تحدث عن مشاركة النساء في رواية العلم والمعرفة فقال: لم يؤثر عن امرأة أنها كذبت في حديث وهو موقف هام في التوثيق إذ يصدر عن الذهبي وهو أكثر رجال النقد الحديثي دقة وصرامة.

وفي مثال آخر يمكننا أن نلاحظ أن الإمام الحافظ بن حجر العسقلاني في كتابه "تقريب التهذيب» ومع أن الكتاب لا يعرِّف إلا بعلماء مرحلة زمنية محددة : القرن الأول والثاني والثالث فقد جاء الكتاب حافلاً بأسماء (824) امرأة شاركن في النشاط العلمي الذي كان متاحاً آنئذ، وهو علم الرواية، وهو علم كان يشتمل آنئذ على معارف التاريخ والحقوق والآداب إلى جانب المعارف الدينية.

ويمكن تلمس نماذج متألقة من نساء السلف الصالح لمعت أسماؤهن كعالمات يلتمس علمهن وهديهن في فروع معرفية كثيرة، وأختار هنا السيدة عائشة التي كانت من أزواج النبي اللواتي يفترض أنهن أحسن الناس حجاباً، وأبعدهن عن المأثم، يقول مسروق: رأيت المشيخة من أصحاب محمد إذا أشكل عليهم الأمر من العلم يسألون عنه عائشة، وكان الأكابر من أصحاب النبي يسألون عائشة في الفرائض، وكان سعيد بن المسيب يقول: ما رايت الكلام في فم أحد أفخم منه ولا أحسن من فم عائشة.

بدأت بعض العائلات تضيف إلى ورقة النعي أسماء البنات من الأسرة، وهو بكل تأكيد موقف لا يبدو مألوفاً البتة، ولكنه محض إرماز للمكان الطبيعي للمرأة الذي تواطأ المجتمع على تغييبه ووأده، فهل تمنحنا هذه الإشارة البسيطة الوعي بحجم رسالة التنوير التي تقع على عاتق المجتمع لمنح المرأة مكانها الطبيعي كمشارك فاعل في بناء الحياة وتأسيسها.

إذا كان عرب الجاهلية قد عرفوا وأد البنات بأجسادهن فإننا نمارس هذا الوأد لروح المرأة ودورها ورسالتها: وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت؟؟