إشكالیة مصادر الطاقة المتجددة ومزایا الوقود الحیوي
أحلام الوقود الحیوي الموعودة
كوابیسھ المستطیرة
شعرة الكتلة الحیویة
یخطئ من یظن أن في استمرار تصاعد
أسعار النفط كل
الربحیة للدول البترولیة، وأن المتضرر
الوحید من ذلك
أمیركا والدول الصناعیة الكبرى، الأكثر
طلباً واستھلاكاً للذھب الأسود وبقیة أنواع
الوقود الحفري.
فالواضح والجلي في ھذه المسألة أن جمیع
الدول –بما في ذلك أسیاد النفط في الشرق
الأوسط- قد تضررت من جراء ذلك
وبدرجات متباینة.
أوجھ الضرر كثیرة، بعضھا واقع بالفعل، وبعضھا الآخر متوقع في المستقبل المنظور. من
الأضرار الواقعة، تلك الموجة القاسیة من الغلاء العالمي، التي لم ینج منھا غني أو فقیر في أي
بقعة من الأرض، والتي اضطر معھا كثیر من الدول ومنھا دول بترولیة إلى رفع معدلات
الأجور، وزیادة نسبة الدعم، مما یعني انخفاضھامش الربح من فروق أسعار النفط إلى الحد
الأدنى، ناھیك عما أثاره الارتفاع المطرد في أسعار السلع الأساسیة في ھذه الدول من ارتفاع
نسبة التضخم ومن إضرابات متتالیة وتزاید السخط العام، وغیرھا من علامات الاضطراب
وعدم الاستقرار.
من الأضرار المنظورة، قرب زوال عرش النفط نتیجة إصرار وتكالب الدول الصناعیة الكبرى
على إیجاد مصادر بدیلھ للطاقة، تقیھا تقلبات سوق النفط وأسعاره الملتھبة، وتجنبھا كذلك تحكم
مصدریھ في سوق الطاقة العالمي.
تضاف إلى ھذا حقیقة أخرى نافذة تتعلق بمستقبل النفط ذاتھ، وھي قرب نفاد احتیاطاتھ وعدم
كفایة المخزون منھ للإیفاء بالاحتیاجات العالمیة من الطاقة بعد قرابة نصف قرن من الآن، مما
یھدد أمن الطاقة العالمي، ویعني أن إیجاد مصدر بدیل للنفط، لم یعد اختیاراً بقدر ما أصبح
طریقاً حتمیاً وھدفا إًستراتیجیاً یسعى إلیھ الآن أغلب الدول.

وإذا أضفنا إلى ھذا بعضالاعتبارات الحیویة الأخرى،وأھمھا تعاظم الحدیث عن تلوث البیئة
وعن المخاطر العالمیة للتغیر المناخي وذوبان الجلید، واتھام النفط ومحروقاتھ بأنھا وراء كل
تلك المشاكل، یبقى إذن أمر إیجاد مصدر طاقة بدیل ومكافئ للنفط مسألة وقت لا أكثر.
ویبدو أن ھذا الوقت قریب بأكثر مما نتخیل، بسبب بزوغ نجم الوقود الحیوي كأحد مصادر
الطاقة البدیلة والواعدة بیئیا واقتصادیا، وتزاید إنتاجھ واستخدامھ بشكل لافت خلال الفترة
الأخیرة، وبدرجة تنبئ بأن ھناك تحولات عالمیة كبیرة قادمة لن تطال فقط مستقبل الطاقة
العالمي، بل ستطال أیضاً الأمن الغذائي والإنتاج الزراعي والاقتصادیات الناشئة عبر أرجاء
العالم المختلفة.
إشكالیة مصادر الطاقة المتجددة ومزایا الوقود الحیوي
الوقود الحیوي ھو وقود نظیف یعتمد إنتاجھ في الأساس على تحویل الكتلة الحیویة سواء كانت
ممثلة في صورة حبوب ومحاصیل زراعیة مثل الذرة وقصب السكر أو في صورة زیوت
وشحوم حیوانیة مثل زیت فول الصویا وزیت النخیل، إلى إیثانول كحولي أو دیزل عضوي مما
یعني إمكانیة استخدامھما في الإنارة وتسییر المركبات وإدارة المولدات، وھذا حادث فعلاً وعلى
نطاق واسع في دول كثیرة أبرزھا أمیركا والبرازیل وألمانیا والسوید وكندا والصین والھند،
وبقدر مكن دولة نامیة مثل البرازیل من الاستغناء نھائیا عن استیراد النفط.
من مزایا الوقود الحیوي رخصتكلفتھ وإمكانیة إنتاجھ في أي وقت وفي أي بقعة من الأرض،
بسبب توافر مواده الأولیة وعدم تقیدھا بأي عوامل جغرافیة أو طبیعیة، وھي میزة كبرى
تفتقدھا مصادر الطاقة الأخرى المتجددة غیر أن میزة الوقود الحیوي الكبرى التي یؤمل
تطویرھا والتوسع فیھا، أنھ یمكن إنتاجھ أیضاً من المخلفات والفضلات الحیوانیة والنباتیة سواء
كانت بقایا الحیوانات وروثھا أو كانت من قش الأرز ونشارة الخشب، كما یمكن إنتاجھ من
الطحالب المائیة ومن نباتات أخرى سریعة النمو وغیر ذات قیمة غذائیة مثل الجاتروفا
والھوھوبا.
وقیاساً على إمكانیات ومزایا المصادر المتاحة حالیاً للطاقة المتجددة، سواء كان مصدرھا
الشمس أو الریاح أو الأمواج أو غیرھا، یبقى الوقود الحیوي،على الرغم مما یحیط بھ من جدل،
ھو الأكثر قدرة على دعم أمن الطاقة العالمي، وھذا لأكثر من سبب.
أولھا رخصتكلفتھ وإمكانیة إنتاجھ في أي وقت وفي أي بقعة من الأرض، بسبب توافر مواده
الأولیة وعدم تقیدھا بأي عوامل جغرافیة أو طبیعیة، وھي میزة كبرى تفتقدھا مصادر الطاقة
الأخرى المتجددة، مثل الطاقة الشمسیة التي ترتبط بمقدار سطوع الشمس، وطاقة الریاح التي لا
یمكن توفیرھا طوال شھور السنة، والطاقة المائیة التي ترتبط بوجود ممرات مائیة وسواحل
بحریة، وھو أمر لا یتوافر لكل الدول.
ثاني ھذه الأسباب نظافة ھذا المصدر وعدم إضراره بالبیئة أو المناخ وتعاظم بالتالي الآمال
المعقودة علیھ في تخلیصالعالم من جزء كبیر من مشاكلھ البیئیة الحالیة.
فمحروقات الوقود الحیوي تتمیز مقارنة بالوقود الحفري بإطلاق محتوى أقل من ثاني أكسید
الكربون، المسبب الرئیسي للاحتباس الحراري، ومن الرصاص، أحد العناصر السامة والمسببة
للسرطان والأمراضالمستعصیة الأخرى، كما أن غالبیة زیوت الوقود الحیوي، تتحلل تدریجیا

وبطریقة تلقائیة، مما یعني عدم تأثیرھا سلباً على جودة البیئة وعلى الوسائط الإیكولوجیة
المحیطة.من واقع ھذه المزایا لم یكن غریباً أن یشھد العالم طفرة حقیقیة في صناعة الوقود
الحیوي خلال السنوات الماضیة، سواء من حیث الكمیات المنتجة أو من حیث معدلات النمو
المتحققة. ففي أمیركا وھي أكبر الدول المنتجة لوقود الإیثانول، قفز الإنتاج مثلاً من 53 ملیون
لتر في عام 2003 ، إلى 280 ملیون لتر في عام 2005
وفي البرازیل والسوید وألمانیا أدى تعاظم القدرة الإنتاجیة إلى تحولھا إلى دول مصدرة لھذا
الوقود، وبشكل دعا البعضلاقتراح إنشاء تجمع خاصبھذه الدول وكل الدول الأخرى
المصدرة للوقود الحیوي، في منظمة طاقة خاصة على غرار منظمة الأوبك النفطیة.
عالمیاً بلغ معدل النمو في صناعة الطاقة من الوقود الحیوي نحو 15 % سنویاً، كما یتوقع أن
یزداد الطلب العالمي علیھ بنسبة 30 % خلال الفترة القادمة، وھي كلھا مؤشرات ھامة للغایة
وتوضح مدى المكانة والازدھار التي حققتھما ھذه الصناعة.
أحلام الوقود الحیوي الموعودة
الثابت أن تزاید الطلب على الوقود الحیوي وإمكانیة نجاح ھذا المصدر المتجدد في سد الفراغ
القائم في مصادر الطاقة سینبني علیھ أكثر من نتیجة ھامة وبالغة الأثر.
أولى ھذه النتائج ھو اتشاح عرش الطاقة المستقبلي باللون الأخضر بدلاً من لونھ الأسود الحالي.
وھذا من جھة أخرى یعني خفوت نجم دول وممالك اقتصادیة كثیرة، طالما زین البترول
عروشھا وأنعش خزائنھا، ویعني أیضاً علو قوى أخرى ناشئة، مقومات ثروتھا لیست إلا
الأرضالخصبة والإنتاج الزراعي والمیكنة.
ثانیة ھذه النتائج ھي إعلاء قیمة الأرضالزراعیة من جدید وإحداث نھضة زراعیة عالمیة
وشاملة.
فمثلما أدى اختراع الآلة في مطلع القرن التاسع عشر إلى حدوث ثورة صناعیة كبیرة، أوصلت
العالم حالیاً لما فیھ من میكنة وتقنیات متقدمة، فإن بمقدور الوقود الحیوي وتزاید الطلب على
الحاصلات الزراعیة، أن یساھم في استصلاح كثیر من الصحاري والأراضي القاحلة، وفي
دفع عجلة الإنتاج الزراعي في أرجاء العالم والتوسع فیھ أفقیاً ورأسیاً، وبشكل لا یستبعد معھ
حدوث طفرة نوعیة سواء في المیكنة الزراعیة المستخدمة أو مساحات الأراضي المستغلة أو
أنماط وطرق الزراعة السائدة.
على المستویین الاقتصادي والاجتماعي، سیؤدي انتشار استخدام الوقود الحیوي إلى خلق
ملایین من فرصالعمل الجدیدة، وزیادة ربحیة المزارعین والفلاحین، إذ یمكن لمحاصیل
الوقود الحیوي أن تزید من ربحیتھم بمقدار أربعة أو خمسة أضعاف الربحیة الحالیة، كما
سیؤدي إلى دعم وتنشیط صناعات كثیرة مرتبطة بالزراعة، ومنھا صناعة الأسمدة والمبیدات
الحشریة، وآلیات نقل وتخزین الغلال، وتحویر البذور جینیاً، وغیرھا من المجالات
المتعلقة.
لا عجب استنادا إلى النتائج الواعدة للوقود الحیوي أن یلقبھ البعضبالذھب الأخضر، وأن یرى
فیھ المتفائلون أحلاماً بالغة الاخضرار، وبدرجة یتوقع أن یصبح معھا اقتصاد الدول النامیة

أفضل كثیراً، ومناخ العالم وبیئتھ أكثر نقاء وأقل تلوثا وعلى ھذا النحو وبحسب ما جاء في
تقریر حدیث لمنظمة
الفاو، یمكن للوقود الحیوي أن یساھم في دعم خطط التنمیة المستدامة في الدول النامیة، وفي
خفضمعدلات الفقر والجوع وتوفیر مصادر الطاقة لاسیما من طاقة الكھرباء التي تعوز قرابة
2 ملیار نسمة على مستوى العالم حالیاً، كما یمكن أن یساھم في دعم الوضعین الاقتصادي
والاجتماعي في أكثر من 47 دولة، تعد الأفقر بین دول العالم، وتعتمد بصفة كلیة أو جزئیة
على النفط المستورد في تغطیة احتیاجاتھا من الطاقة.لا عجب إذن بعد سرد كل ھذه النتائج
الواعدة للوقود الحیوي أن یلقبھ البعضبالذھب الأخضر، وأن یرى فیھ المتفائلون أحلاماً بالغة
الاخضرار، وبدرجة یتوقع أن یصبح معھا اقتصاد الدول النامیة أفضل كثیراً، ومناخ العالم
وبیئتھ أكثر نقاء وأقل تلوثاً. لكن السؤال القائم، ھل الأمر فعلاً بھذه الدرجة من الإشراق، وبھذا
القدر من النجاعة والیسر؟
كوابیسھ المستطیرة
الواقع أن ھناك أكثر من إشكالیة أخلاقیة وعلمیة یثیرھا استخدام المحاصیل الغذائیة خاصة من
الذرة والقمح وفول الصویا في إنتاج الوقود الحیوي.
أولى ھذه الإشكالیات تتعلق بتغیر استخدامات الأراضي الزراعیة والھرولة المتوقعة نحو
تحویل الحقول الزراعیة المنتجة للمحاصیل الغذائیة إلى مناجم كبیرة لإنتاج محاصیل الطاقة
الموعودة، وما یتبع ذلك من الإخلال بالتنوع الزراعي العالمي والجور على الغابات والمناطق
الخضراء المحمیة، وزیادة معدلات انجراف التربة، وارتفاع مستویات التلوث المائي والجوي
بسبب الكمیات الكبیرة من المبیدات والأسمدة التي یتطلبھا استزراع محاصیل الطاقة بخاصة
من الذرة.
بالنسبة للدول النامیة التي تعتمد على استیراد احتیاجاتھا الغذائیة وللبلاد الفقیرة التي عادة ما
تتلقى ھبات ومساعدات دولیة في صورة معونات غذائیة، فإن ھذه المخاوف ستتحول ولا شك
إلى كوابیس مستطیرة بسبب تصاعد ارتفاع أسعار المحاصیل الغذائیة، نتیجة تعاظم الطلب
على الحبوب والحاصلات الزراعیة، ونتیجة عدم وجود فائضفیھا لدى الدول المصدرة، وھذا
بدوره یھدد الأمن الغذائي العالمي بشكل مباشر، وقد یؤدي أیضاً إلى انتشار الاضطرابات
والقلاقل الاجتماعیة والسیاسیة في أكثر من موقع عبر العالم.
من الجوانب السلبیة المتوقعة أیضاً تصاعد الصراع على الموارد المائیة بسبب تزاید الحاجة
للمیاه، سواء لاستخدامھا في ري محاصیل الذرة وقصب السكر المنتجة للطاقة، أو في عملیة
إنتاج الوقود الحیوي ذاتھ یكلف مثلاً إنتاج لتر واحد من إیثانول الذرة نحو 4 لیترات كاملة من
المیاه.
بناء على ھذا یتوقع "المعھد العالمي لإدارة موارد المیاه"، في دراسة حدیثة لھ، أن تواجھ كل
من الصین والھند على سبیل المثال شحاً في مصادر المیاه بحلول عام 2030 ، إذا ما استمرتا
في خططھما الحالیة لإنتاج الوقود الحیوي.
غیر أن الأمر لا یمكن بالطبع أن یكون بھذا القدر من القتامة أو السلبیة عند الحدیث عن إنتاج
الوقود الحیوي من الفضلات النباتیة والحیوانیة أو من المخلفات الزراعیة وغیرھا من النفایات،
بسبب تناغم ھذا مع سلامة البیئة وأمن العالم الغذائي، لكن ھذا التوجھ، رغم رجاحتھ وإضاءاتھ،
سیظل مرھونا على أي حال بتطویر التقنیات الحالیة المصنعة للوقود الحیوي، وبالتزام صناع
الطاقة الجدد بأطر أخلاقیة محددة تؤثم مثلاً حرق مقدرات العالم الغذائیة من أجل تسییر
المركبات.
شعرة الكتلة الحیویة
التوجھ نحو استخدام المحاصیل الغذائیة وھدرھا في إنتاج تلك النوعیة من الطاقة، سیكون بلا
شك جریمة إنسانیة ووبالاً على فقراء وجیاع العالم، كما أنھ سیسبب ظھور مشاكل بیئیة
واجتماعیة كثیرة لیس من الواضح تماماً في أي اتجاه سیأخذ الوقود الحیوي العالم خلال
السنوات القادمة. إلى طریق الأحلام الخضراء والرغد البیئي؟ أم إلى عصر جدید من المعاناة
الإنسانیة ومزید من الضیم والجوع لفقراء وجیاع العالم؟
اتجاھان متعاكسان تماماً یمثلان أحلام وكوابیس ھذه الصناعة الناھضة، ولا تفصل بینھما إلا
شعرة واحدة دقیقة، تتمثل في نوعیة الكتلة الحیویة المزمع استخدامھا في إنتاج الوقود الحیوي
مستقبلاً، وھل ھي مستخلصة من محاصیل غذائیة أساسیة مثل الذرة والقمح وفول الصویا،
طعام الفقراء وكل سكان العالم، أم مصدرھا مخلفات حیوانیة ونباتیة لا تعوزھا البیئة ولا
تحتاجھا البشریة.
بدیھي أن التوجھ نحو استخدام المحاصیل الغذائیة وھدرھا في إنتاج تلك النوعیة من الطاقة،
سیكون بلا شك جریمة إنسانیة ووبالاً على فقراء وجیاع العالم، كما أنھ سیسبب ظھور مشاكل
بیئیة واجتماعیة كثیرة لیس أقلھا الإخلال بالتنوع الزراعي وتوحش موجات الغلاء العالمي،
وتزاید الاضطرابات والقلاقل الاجتماعیة.
وفي المقابل فإن الالتزام باشتراطات ومعاییر التنمیة المستدامة وسلامة البیئة المحیطة وتنوع
النظم الزراعیة القائمة، من خلال تطویع التقنیات الحالیة المنتجة للوقود الحیوي بحیث یتم
توجیھھا فقط نحو استھلاك الفضلات والمخلفات الحیوانیة والنباتیة، كفیل بجعل العالم
والمعمورة بأسرھا أكثر تقدماً وأكثر نظافة، وكفیل أیضاً بإضفاء لمحة من التفاؤل إلى مستقبل
البشریة المعذبة حالیاً بثلاثیة الجوع والفقر والغلاء العالمي.


المصدر:الجزیرة