كردستان رحم الزراعة الاولى


إكتشاف الزراعة هو الذي غير مسيار تاريخ البشرية وأثر تأثيرا لم يصل اليه اي إكتشاف اخر حتى الان. عندما تمكنت التجمعات البشرية الاولى، فجأة، من إنتاج وتخزين فائض من الحبوب تمكنوا من تقسيم العمل بينهم، واحتاجوا الى بناء المدن لحماية محاصيلهم واراضيهم التي سلبوها من الانسان البري، وتطوير الكتابة الضروري للتبادل وحساب الارض والمحصول، وماتبع ذلك من الانكفاء على الذات لتنشأ الذات الاثنية.
في ذات الوقت ادى هذا التطور الى اصابتهم بأنواع جديدة من الامراض، بسبب الغذاء الاقل تنوعا والاقل احتواء على الفيتامينات، وبسبب ضرورة التجمع

العديد من التجمعات توصلت الى إكتشاف الزراعة في فترة زمنية متقاربة تقريبا، على الاغلب بدون علاقة اتصال بينهم. في منطقة المكسيك الحالية بدأ انتاج الذرة والفوليات قبل عشرة الاف سنة، وتقريبا هي الفترة نفسها التي بدأ فيها الانسان في الصين بزراعة الرز، لتأتي بعدها البطاطا في بيرو والذرة البيضاء في افريقيا الجنوبية.

غير ان الانسان في غرب اسيا حقق اكبر النجاحات، إذ كانت الطبيعة المحلية غنية بالنباتات والحيوانات المناسبة. في هذه المنطقة كان يوجد نوعين من القمح والشعير والبازلياء والحمص والفول والعدس . إضافة الى ذلك يوجد الكتان لصناعة الخيوط والملابس، والماعز والخرفان الذي تقبلوا التدجين.
لقد كانت لديهم اسباب وجيهة للبحث عن طرق اخرى للعثور على الطعام عندما بدأت اعداد الانسان البري المتزايدة تؤثر على موارد الطبيعة التي زاد تناقصها بسبب تغير المناخ نحو البرودة.

الباحثين على الدوام يؤكدون ان الهلال الخصيب هو " رحم الزراعة". هذه المنطقة ، كانت تمتد على شكل هلال، من دلتا النيل الى فلسطين ولبنان وسوريا وجنوب شرق تركيا لتحتوي حوض الفرات ودجلة من المنبع الى المصب.

في السنوات الايرة تمكن العلماء من تحديد مكان اكثر دقة للمنطقة الاولى التي نشأت فيها الزراعة، لتصبح بقاع صغيرة.

عام 1997 تمكنت مجموعة من البيلوجيين من مقارنة الشيفرة الجينية للقمح الزراعي Triticum monococcum مع نظيره البري Triticum monococcum beoticum. الباحثين جلبوا عينات للقمح البري من مختلف بقاع الهلال الخصيب. في احدى المناطق كان التطابق هو الاكبر مع القمح المستخدم في الزراعة. النبتة البرية المطابقة جاءت من منحدرات جبل قره كاداغ، Karacadag, وهو جبل يقع بين منابع الفرات ومنابع دجلة في وسط تركيا الحالية. احد المشاركين في هذه الابحاث الالماني المختص في الجينات Manfred Heun, والعامل في جامعة اوس النروجية. هذا الباحث يعتقد ان النبتة البرية للقمح الذي اختارها الانسان البدائي للزراعة تطورت بسرعة، على الاغلب خلال جيل بشري واحد.

يقول:" يحتاج الامر الى تغييرات في خمسة الى ستة جينات. هذا الامر ممكن الحدوث خلال حياة أمرأة واحدة، إذ ان االبشر في ذلك الوقت لم يكونوا اغبياء، عندما رؤا كيف تتغير النتائج لابد انهم تعلموا من تجربتهم.
قبل ستة سنوات كتب علماء اسرائيليين طليعيين في حقل الاثار استنتاجات تقوي ماتوصل اليه مانفريد هينوس. Simcha Lev-Yadun, وزملائه اشاروا الى ان مجموعة من اللقى الاثرية تؤشر في ذات الاتجاه، تم العثور عليها من الحفريات لمواقع تعود الى ماقبل عشرة الاف سنة. من هذه المواقع CayÖü, Cafer Hüyük, Nevali Cori and Tel Abu Hureyra. إضافة الى ذلك توجد المزيد من البراهين البيلوجية وليس فقط التشابه الجيني. هذا الامر يخص ايضا الحمص البري والذي يوجد فقط في منطقة جغرافية محدودة وصغيرة.

اقرب مجتمع الى جبل قره كداغ هي مدينة ديار بكر، وهي مركز الثقافة الكردية في تركيا وتلعب الدور الرئيسي في مقاومة الدولة التركية. عدما اراد العالم مافريد هيونس الذهاب الى تركيا للبحث عن المزيد من الادلة رفضت الدولة التركية السماح له بالدخول.
غير انه تلقى اتصال من Johan Hultin, بيلوجي سويدي الاصل ومواطن امريكي، وهو الذي قام بوضخ الخريطة الجينية لفيروس الانفلونزا الاسبانية. وعلى الرغم من ان يوهان هولتين ايضا واجه مصاعب في الحصول على فيزا لزيارة جبل قره كاداغ في المناطق الكردية الا انه حصل عليها في النهاية، مع " مرافق تركي دائم". كان هذا الامر تماما قبل اجتياح الامريكان للعراق. غير ان هذا المرافق الدائم كان رئيس البنك البيلوجي للحبوب وبيلوجي قدير. مع بعض تمكنوا من التعرف على وتحديد انواع من القمح البري (وحيد الصف) على سفح الجبل، وقام بتصويرهم وارسلهم الى النرويج.

الاكتشاف ادهش البيلوجيين، وسارعوا للمطالبة بوضع المنطقة تحت الحماية الطبيعية على إعتبارها ذات اهمية بيلوجية وتاريخية هام. احد البيلوجيين يعلن استعداده لشراء المنطقة واهدائها الى المتحف الوطني في انقرة، تدليلا على اهميتها التاريخية.

اهتمام العالم الالماني يوهان هولتينس بهذه النبتة ليس حبا فيها، وانما على العكس، انه من اتباع نظام الطعام في العصر الحجري. كبيلوجي عمل كثيرا الانسجة المتضررة من الامراض المزمنة. يقول:" على مدى ثلاثين عاما اتساءل: لماذا نمرض؟" من قناعاته ان المنتجات الزراعية، ومن بينها القمح، يتحملون الكثير من المسؤولية. يقول:" العظام التي وصلتنا من العصر الحجري تشير الى بشر اصحاء، مما يدل على الانسان البري الاول كان يتمتع بالصحة. فقط بعد ذلك بدأ الانسان يتقلص في الطول، جمجمته اصبحا اصغر 10 بالمئة وحنكه تقلص الى درجة ان الاسنان لم يعد لها مكان كافي. هذا الامر من نتائج " ثقافة الحبوب".

مكمن المشكلة، حسب رؤيته، هو انتشار الاحماض الدهنية اوميغا 6 المتوفرة بكثرة في الحبوب، ونقصان اوميغا 3 المتوفر في الاسماك. الكمية الكبيرة من اوميغا 6 والقليل من اوميغا 3 يؤدي الى التعرض للكثير من الامراض. هذا الامر يملك تعضيدا قويا في الاكتشافات العلمية الاخيرة. بهذا تكون الزراعة، واللغة الهندواوروبية والامراض من منتجات اول حضارة على سفح جبل قره كراكي.


نقلا عن موقع الحوار المتمدن
عن مجلة داغينس نيهيتر السويدية