[size=24
"قواعد اللعبة" تعبير يتردد
منذ مدة طويلة. وبرز أكثر بعد 15 أيار المنصرم. عندما اخذ الاحتكاك مع
العدو الاسرائيلي طابعاً غير مسلح عبر الجماهير التي اندفعت الى الحدود...
حدودٌ فرضتها "قواعد اللعبة " هنا بعد حرب 2006. وهناك بعد حرب تشرين/
اكتوبر 1973 .
لقد
قامت قواعد اللعبة هذه على نتائج "الحوار بالسلاح"... والتعبير نستقيه من
احد أساتذة استراتيجيا. ـ الجنرال بوفر ـ حيث عرّف الحرب بأنها: "حوار
سياسي بالقوات المسلحة".
ومنعاً للالتباس فان "قواعد اللعبة" لا تلغِي قط الصراع. أو رغبة احد طرفيه
في هزيمة الآخر. ولا تحول دون ان يأخذ أوجهاً اخرى من خارج قواعده. تماماً
كما حدث في سنوات الحرب الباردة حيث اخذ الصراع بين قطبيه اشكالاً غير
مباشرة من حروب جانبية بين حلفائهما: فيتنام، العدوان الاسرائيلي على مصر
وسوريا عام 1967.
كما وإن " قواعد اللعبة" ليست ثابتاً، بل هي قابلة للتحول بحسب تغيير
الظروف، وموازين القوى التي فرضتها. هذا بالضبط ما حدث بين المقاومة
و"اسرائيل" في "تفاهم تموز" عام 1993. وبعده "تفاهم نيسان". وفي كليهما
اضطر العدو لتقديم تنازلات املتها وقائع الميدان العسكري. هذه الوقائع التي
تصاعدت حتى فرضت فيما بعد في العام 2000 ـ في مثل هذه الايام ـ انسحاب
"اسرائيل" من الجنوب قسراً، ومن غير قيد او شرط.
الضرب "تحت الحزام"!
تبدو هذه المقدمة ضرورية كيما يلمس القارئ بأن ما يسمى "قواعد اللعبة" في
هضبة الجولان بين سوريا و"اسرائيل" قد أملتها نتائج حرب تشرين/ اكتوبر
1973. واستمرت لعدم التغيير في المعادلة التي ارتكزت عليها: امريكا تدعم
"اسرائيل" موفرة لها التفوق. سوريا تمتلك وسائل دفاع تجعل من الحرب عليها
مكلفة. وللتذكير هنا فإن الرئيس الراحل حافظ الاسد سعى الى تبديل المعادلة
وصولاً لتغيير قواعد اللعبة مرتين:
الاولى بعد انسحاب مصر من ميدان الصراع حين سعى بنفسه الى وحدة القطرين
السوري والعراقي. وقد قطع شوطاً بعيداً في ذلك مع الرئيس الاسبق الراحل
احمد حسن البكر. لكن هذا المسعى جرى احباطه على يد صدام حسين. وفي ملابسات
ملتبسة تدعو للشكوك، لا سيما حينما اعقبها ارسال جيشه شرقاً لمحاربة
ايران!... بدلاً ان يتوجه غرباً الى جبهة الجولان كما هو مفترض، وكما كان
مقرراً.
اما المرة الثانية فهي الارتقاء بالقدرات الهجومية للجيش السوري فيما اطلق
عليه يومذاك: "التوازن الاستراتيجي". شجعه على هذا رغبة القيادة السوفياتية
على رأسها " يوري اندروبوف" في تحقيق مثل هذا التوازن بعد الاجتياح
الاسرائيلي للبنان العام 1982. غير ان هذه الآمال لم تلبث ان تبخرت مع مجيء
"ميخائيل غورباتشوف"، ثم فوضى ما سمي "إعادة البناء" (البريسترويكا).
والضياع في السياسة السوفياتية... والى كل ما ادى الى الانهيار الدراماتيكي
(للامبراطورية السوفياتية)!.
وبالرغم مما سبق فقد سعت سوريا للتعويض عن خسارتها بالاعتماد على امرين:
اولاً ـ الاستثمار الجيد لموقعها الجيواستراتيجي عبر سياسة خارجية مشهود
بديناميتها. وهذا جعل من المساس بها امراً مكلفاً من حيث انه يشكل عبئاً
على المعتدي. فضلاً انه غير مرغوب به اقليمياً بالنظر لتداعياته على
المنطقة.
ثانياً ـ بناء شبكة تحالفات اقليمية: ايران. المقاومة الاسلامية في لبنان. (حماس) و (الجهاد) في الارض المحتلة.
لقد اخذ الرد الامريكي على ما سبق شكلاً مباشراً يستهدف تفكيك احد عناصر
القوة السورية وبشكل اخص التحالف مع ايران، والمقاومة في لبنان. ومع ذلك
فقد حرصت السياسة السورية خلال السنوات السابقة على توسيع هامش حركتها. فهي
بالرغم من تمسكها بتحالفاتها. لم تقطع ما امكنها الجسور مع الولايات
المتحدة. وبقيت حريصة على عدم المساس بمصالحها. او استفزاز (حلفائها) العرب
ولا سيما الخليجيين منهم. بدليل معادلة "س . س" في لبنان. والموقف من
أحداث البحرين الاخيرة. وقبلها الانفتاح غير المسبوق على تركيا الدولة
الاطلسية بامتياز.
غير ان هذا الحرص السوري لم يجد منذ مدة من يلاقيه. بل على العكس تماماً.
فالولايات المتحدة وحلفاؤها ـ التركي والخليجي ـ اخذوا بتجاوز الخطوط
الحمر. وبعضهم يُمعن بالضرب "تحت الحزام"!!..
وبصرف النظر عن الهدف مما سبق... أهو لإضعاف النظام السوري كي لا يلعب
دوراً مؤثراً في محيطه. أو هو اكثر من هذا. فإن الاقل تشاؤماً من كل
الاحتمالات. اي اضعاف النظام فقط . سيفتح المجال للاكثر، فتشرع الابواب على
سيناريوهات جهنمية: (بلقنة) سوريا. آخذين بعين الاعتبار ثلاث نقاط مجتمعة:
ـ الشعارات الطائفية السافرة التي رفعها المتسللون الى التحركات الشعبية المطلبية.
ـ بنية المجتمع السوري التعددية.
ـ النيات الاميركية التي فضحتها وثائق وخرائط عن "الشرق الاوسط الجديد".
حتى ان الامريكيين لم يتحرجوا بالإفصاح عنها في مرحلة سابقة!!.
ما العمل؟
منذ خمس سنوات طرحنا مقترح تغيير قواعد اللعبة على ضوء الهجمة الشرسة التي
تعرضت لها سوريا. وانطلاقاً آنذاك من حيثياتها وظروفها... تغييرٌ يستند الى
عدة معطيات كان ابرزها انتصار المقاومة صيف 2006.
جاء ذلك في مقالتنا على صفحة (قضايا وآراء) في جريدة السفير، بعنوان:
"الجبهة الشعبية لتحرير الجولان لماذا.. وكيف؟"ـ تاريخ 26 كانون الاول/
ديسمبر 2006. وهنا اجد من المفيد استعادة بعض مقاطعها لأن المضمون ما زال
متوافقا مع ظرفنا الحالي.
"الجبهة الشعبية لتحرير الجولان لا تعني بالضرورة الذهاب الى الخيار
العسكري... انها مقاربة لتجديد حيوية هذا الالتزام ـ (اي السوري)... لتنقله
الى حيز المبادرة والفعل المؤثر هذا للتوضيح سلفاً".
اما جوهر المقترح فهو اطلاق حركة شعبية سلمية تحت شعار شرعي: "عودة ابناء
الجولان الى اراضيهم وقراهم". يتولاها في المقدمة ابناء الجولان، ومواطنوهم
السوريون. بوصفها قضية انسانية واخلاقية لأناس أُبعدوا عن أرضهم. وهذا
بمعزل عن اية (مفاوضات سلام!) محتملة مع العدو الصهيوني... خطوة يدرك
خلفياتها ونتائجها من يدقق فيها ملياً.
اما الآلية لذلك فما زالت صالحةً لهذا التاريخ!. وهي بالنص: "... ولكي يكون
هذا الفعل مؤثراً لا بد ان يتمظهر في اطياف عدة. يتقدم اي منها. او يتأخر
حسب الظروف السياسية. ولعل اهمها (الآن)، واكثرها الحاحاً ان يتحول الى حدث
شبه يومي يسرق الاضواء. وذلك بالاقتراب من العدو من دون التَّماسّ، او
الصدام معه. مثل الاعتصامات بحشود شعبية على امتداد الشريط الفاصل بين
الجولان المحرر والمحتل. وصولاً لاقتلاع بعض اجزائه...".
الواقع يشير الى ان سوريا بعد خمس سنوات تمتلك معطيات مادية افضل من حيث
عناصر الردع التي تستطيع بها حماية الانتفاضة المذكورة ومنع العدو من رفع
سقف ردّه. وبالتالي إلزامه بخيارات محدودة بحيث يصبح ردّه على الحشود
الشعبية غرقاً له في الاوحال.
والحقيقة ان لدى سوريا موضوعياً كل ما يجعل العدو يفكر الف مرة في أي مغامرة عسكرية تجاهها:
ـ قوة الردع الصاروخية. (يُحكى عن مئة الف صاروخ).
ـ تنامي قدرات الجيش السوري. ولا سيما بوحدات النخبة المدربة والمجهزة على
المواجهات المعقدة. مستفيدة من الدروس والعبر التي افرزتها المواجهة الكبرى
بين المقاومة اللبنانية، والعدو الاسرائيلي صيف 2006.
ـ التأثيرات النفسية لحرب 2006 على الداخل الاسرائيلي.
ـ امكانية انشغال العدو بانتفاضة في الداخل الفلسطيني. او العكس امكانية
انتفاضة (العودة الى الجولان) ان تفجر انتفاضة في الداخل الفلسطيني.
ليس من الجائز الاعتقاد بأن ما سبق يأتي في سياق الرد المباشر على استهداف
الداخل السوري. كلا وألف كلا. ولكنها الوقائع... وتغيّر الازمان التي تفرض
تغير الاحوال.
إن مخاطر هذا الستاتيكو القاتل! اكبر بكثير من مخاطر "تغيير قواعد اللعبة"
التي بات تغيّرها الآن اكثر من ضروري... الآن وإلا سيصبح الوقت متأخراً.
لؤي توفيق حسن- كاتب من لبنان
الانتقاد
( الاثنين 2011/05/23 Syria)][/size]