10/09/2011
مالك ابراهيم
لم تكن المعارضة السورية إبان الأحداث الأخيرة صادقة في مطالبها ,فقد وجدت نفسها في جو استمرار لما حدث في تونس ومصر لتخرج بمطالبها في المرحلة الأولى المتمثلة في طلب الإصلاحات والإنتقال بالمجتمع إلى الديمقراطية التي تريدها من وجهة نظرها وقد تمثل ذلك بطلب إلغاء العمل بقانون الطوارئ المعمول به في سوريا منذ عام 1963 والمطالبة بقانون للأحزاب وقانون للإعلام وتعديل بعض بنود الدستور وإطلاق سراح معتقلي الرأي . وبعد خروج التظاهرات في المرحلة الأولى وقيام رموز وجهات المعارضة في الداخل والخارج بالإستنفار لأجل ذلك قامت القيادة السورية بالإستجابة لهذا الحراك منذ البداية من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته الدكتورة بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة السورية بتاريخ 24-3-2011 حيث تحدثت عن عزم القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي التي اجتمعت بقيادة الرئيس بشار الأسد العمل على تحقيق جملة إصلاحات معاشية وخدمية وسياسية وأهمها التوجه نحو إلغاء العمل بقانون الطوارئ والعمل على إصدار قوانين الأحزاب والإعلام والتي كان قد وجه بها مؤتمر حزب البعث العربي الإشتراكي الأخير عام 2005 . وبالفعل فقد تم إلغاء العمل بقانون الطوارئ بالمرسوم رقم 161 تاريخ 21-4-2011 . وتم إلغاء محكمة أمن الدولة ونقل صلاحياتها إلى القضاء المختص بالمرسوم التشـريعي رقم 53 تاريخ 21-4-2011 . وتم تنظيم حق التظاهر السلمي بالمرسوم التشريعي رقم 54 تاريخ 21-4-2011 . وتم إصدار مرسومي عفو عام رقم 61 تاريخ 31-5-2011 ورقم 72 تاريخ 20-6-2011 شمل عدداً كبيراً من السجناء والمعتقلين . وتمت الدعوة إلى مؤتمر تشاوري للحوار الوطني تم عقده بتاريخ 10-7-2011 في مجمع صحارى بدمشق . وتم إصدار قانون الأحــزاب بالمرســـــوم رقم 100 تاريخ 4-8-2011 . وتم إصدار قانون الإنتخابات العامة بالمرسوم رقم 101 تاريخ 4-8-2011 . وتم إصدار قانون الإدارة المحلية بالمرسوم رقم 107 تاريخ 23-8-2011 . وتم إصدار قانون الإعـلام بالمرســــــوم رقم 108 تاريخ 28-8-2011 . إن قيام الدولة بهذه الخطوات كان اعترافاً منها بوجود حراك جماهيري يطالب بذلك فضلاً عن وجود الإستعداد والأرضية لديها لتنفيذ تلك المطالب . إلا أن المعارضة السورية لم تتعامل مع تلك الإجراءات بنية صادقة وكانت كلما تقدمت القيادة السورية خطوة من تلك الخطوات كانت المعارضة ترفع من وتيرة معارضتها درجة رافضة تلك الخطوات متذرعة بأن السلطة تأخرت باتخاذ هذه الخطوة وأنها غير واثقة من تنفيذها وتطورت الأحداث الى أن أصبحت المطالبة الرئيسية للمعارضة هي إسقاط النظام . من خلال ماسبق فإنه من المناسب القول إن المعارضة لم تكن صادقة في مطالبها ويمكن الدلالة على ذلك بما يلي: • ) لايجوز الحكم على النيات) حيث أبدت القيادة السورية عزمها على إجراء الإصلاحات وأعلنت عنها منذ البداية بلسان الدكتورة بثينة شعبان لكن المعارضة لم تثق بذلك حيث حكمت مسبقاً على نيات السلطة وبنت حراكها على هذا الأساس. • لم تستجب تلك المعارضة للمؤتمر التشاوري للحوار الوطني حيث عقد المؤتمر بغيابها . • لم تعط تلك المعارضة فرصة للسلطة للسير بالإصلاحات المشار إليها بل تابعت تأزيم الموقف والدفع بالشارع إلى الغليان والمطالبة بإسقاط النظام . • زادت المعارضة على ذلك بعقد عدة مؤتمرات خارج الوطن كان جوهرها دعوة القوى الغربية والعربية المناهضة لسورية لدعم المعارضة في قلب نظام الحكم في سوريا . • ساهم رموز المعارضة بشكل كبير في تزييف الحقائق والوقائع على الأرض من خلال إطلالاتها على بعض الفضائيات التي تشكل ركناً أساسياً من أركان الضغط والتحريض للوصول إلى مآرب المعارضة في قلب النظام . • ساهم رموز المعارضة مساهمة كبيرة في تحريض الشباب على الخروج في تظاهرات يومية حيث بذلت جهوداً كبيرة لإقناع هؤلاء الشباب بأنهم بذلك سيصلون إلى تأمين فرص عمل لهم وتحسين ظروفهم المعاشية (كلمة حق يراد بها باطل ) لكنها في الحقيقة كانت تريد إظهار الشارع السوري بأنه مستمر بالمعارضة حتى إسقاط النظام وهي بذلك استغلت حماس الشباب العفوي الصادق لتدفع بهم إلى صدامات مع الدولة ماسبب خسارات بالأرواح كانت مؤسفة بكل المقاييس . • إن قصر وضيق نظر قســـم من المعارضة لم يتح لها استيعاب استغلال حراكها من قبل القوى الغربية والعربية المعادية لسورية للضغط من أجل إضعاف موقع وموقف سوريا الإقليمي المقاوم للكيان الصهيوني وللمشروع الأمريكي والغربي في المنطقة ,والقسم الآخر منها هو من صلب تلك الجهات التي تحاول إضعاف الموقف السوري . • عدم قدرة المعارضة على تقديم برنامج سياسي مقنع للشعب وبالتالي عدم قدرتها على كسب التأييد الجماهيري الذي كانت تأمله . لقد ترافق الحراك والتظاهرات التي شهدتها الساحة السورية مع قيام جماعات مسلحة إرهابية بعمليات قتل لم تشهد سوريا مثيلاً لها حيث كان لها أهدافهاالمشبوهة والبعيدة عن المطالبة بالإصلاح , لكن المعارضة السورية لم تكن بمستوى من الوعي الكافي لتكتشف أهداف هذه الجماعات وتبتعد عنها وظلت تقنع نفسها أن هؤلاء ليسوا جماعات مسلحة وإنما هم من صنع السلطة وذلك بالرغم من اعتراف بعض من استـقووا بهم مثل أمريكا وتركيا بوجود المسلحين فكانت المعارضة بذلك ضعيفة في رؤيتها طالما لم توضح موقفها من تلك الجماعات صراحة وهذا ما أثر على أدائها . لقد كان تحرك المعارضة منذ البداية في سياق الوضع الذي ساد في تونس ومصر أي كان ردة فعل جعلتهم يظنون أن أياماً قليلة فقط تكفي لسقوط النظام ولم تع هذه المعارضة أن الرهان الذي راهنت عليه جهات المعارضة الخارجية إضافة إليها في الداخل كان فاشلاً فقد ظنت أن الجيش العربي السوري سينقسم ما يؤدي إلى إضعاف السلطة الذي يؤدي إلى سقوطها إلا أن الجيش أثبت فعلاً أنه جيش عقائدي ملتزم بحماية الوطن بقيادة الرئيس بشار الأسد. فضلاً عن إظهار أكثرية الشعب تأييده لجملة الإصلاحات التي تسير بها القيادة السورية من خلال جملة النشاطات المختلفة التي أعطت نتائجها على أرض الواقع . ولا يمكن تجاهل ظهور التماسك الكبير للسلك الدبلوماسي السوري وكذلك الإلتزام الكبير للقائمين على الوظائف الحكومية الكبيرة من وزراء ومحافظين وغيرهم حيث أظهروا جميعا بالتزاهم هذا حرصهم على بقاء سوريا دولة قوية ذات سيادة وكرامة عصية على الأعداء والمتربصين بها .